"فايننشيال تايمز": هل تصبح ألمانيا "رجل أوروبا المريض" مرة أخرى؟

"فايننشيال تايمز": هل تصبح ألمانيا "رجل أوروبا المريض" مرة أخرى؟

نشرت مدونة لأعضاء الإدارة الأوروبية لصندوق النقد الدولي، في 27 مارس أن الاقتصاد الألماني كان الوحيد في مجموعة الدول السبع الكبرى الذي تقلص في العام الماضي ومن المقرر أن يكون الاقتصاد الأبطأ نمواً في المجموعة مرة أخرى هذا العام.

وفقًا لصندوق النقد الدولي، تقلص الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة 1% بين عامي 2019 و2023، ومن بين اقتصادات مجموعة السبع، كان أداء كندا فقط أسوأ، وحتى المملكة المتحدة، التي تراجعت بنسبة 0.2%، وفرنسا، مع ارتفاع طفيف بنسبة 0.4%، كان أداؤهما أفضل، وكان ارتفاع الولايات المتحدة بنسبة 6% من مستوى آخر.

وتساءلت صحيفة "فايننشيال تايمز"، حول ما أُطلق على ألمانيا مؤخراً (رجل مريض) فهل هذه حالة مؤقتة أم مزمنة؟ هناك أسباب وجيهة للقول إن ذلك مؤقتا، كما تشير المدونة، تدهورت شروط التجارة الألمانية بشكل كبير بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، لكن معدلات التبادل التجاري عادت إلى مستويات عام 2018 مع انخفاض أسعار الغاز الطبيعي مرة أخرى، وقد انعكس الارتفاع المصاحب في التضخم وبدأت السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي في التخفيف، وأخيرا، كانت إعادة التوازن للطلب العالمي بعد الجائحة من السلع المصنعة نحو الخدمات غير مواتية أيضا للاقتصاد الألماني، ولكن هذا أيضاً من المتوقع أن ينعكس.

ويضيف صندوق النقد الدولي أن المخاوف بشأن مستقبل الصناعة الألمانية على المدى الطويل مبالغ فيها، فقد تقلصت الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، لكنها لا تمثل سوى 4% من الاقتصاد، وفي المقابل، ارتفع إنتاج السيارات بنسبة 11% في عام 2023، في حين ارتفعت صادرات السيارات الكهربائية بنسبة 60%، علاوة على ذلك، يضيف التقرير أن "القيمة المضافة للتصنيع ظلت ثابتة حتى مع انخفاض الإنتاج الصناعي".

ووفقا لتوقعات شهر يوليو، من المتوقع أن يبلغ النمو الألماني 0.2% فقط في عام 2024، لكن من المتوقع أن يصل إلى 1.1% في العام المقبل.

إذا كان هذا هو الوضع الطبيعي الجديد، فهو بالأحرى وضع سيئ، لأن الاتجاهات طويلة المدى، وليس الصدمات الأخيرة، هي القضية الكبرى، حيث يعاني الاقتصاد الألماني من 5 اتجاهات سلبية.

أولا، من المتوقع أن ينخفض ​​نمو القوة العاملة في ألمانيا (الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاما) بنسبة 0.66 نقطة مئوية بين عامي 2025 و2029، مقارنة بالنمو بين عامي 2019 و2023، وهذا هو أكبر انخفاض من نوعه في مجموعة السبع.

ثانيا، كانت حصة إجمالي الاستثمار العام في الناتج المحلي الإجمالي، والتي بلغت 2.5% في الفترة من 2018 إلى 2022، هي الأدنى بين البلدان ذات الدخل المرتفع، باستثناء إسبانيا، بل إنها كانت أقل من نسبة الـ 3% الفقيرة إلى حد ما في المملكة المتحدة.

ثالثا، انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا (بتعادل القوة الشرائية) من 89% من مستوياته في الولايات المتحدة في عام 2017 إلى 80% في عام 2023، وكان هذا أكبر انخفاض نسبي لأي عضو في مجموعة السبع خلال تلك الفترة.

رابعا، لا تزال ألمانيا تلعب دورا ضئيلا في الاقتصاد الرقمي. وبما أنها أكبر اقتصاد في أوروبا، فإن هذا مهم بالنسبة للاتحاد الأوروبي ككل أيضا.

وأخيرا، ينتقل العالم إلى عصر التشرذم، وسيكون لهذا أهمية خاصة بالنسبة للاقتصاد الألماني الذي يعتمد نسبيا على التجارة.

ويبدو الانفتاح على الهجرة، وتقليص الروتين الحكومي، وإنشاء سوق أوروبية موحدة، مع اتحاد ديناميكي ومتكامل لسوق رأس المال، كلها أجزاء من الحل، ومع ذلك، هناك سمة أخرى لا يُنظر إليها على الإطلاق باعتبارها مشكلة في "الدوائر المحترمة" في ألمانيا، أو في أي مكان آخر وهي فوائض المدخرات البنيوية الضخمة، والتي عملت بطبيعة الحال على تمويل فوائض الحساب الجاري الضخمة لديها.

وينظر العديد من الاقتصاديين الألمان إلى ذلك باعتباره دليلاً على القدرة التنافسية الدولية التي تتمتع بها ألمانيا، ويصرون على أن الجميع، وخاصة في منطقة اليورو، لا بد أن يحذوا حذو ألمانيا.. وهذا غير منطقي.

السبب الأول هو أن الجميع لا يستطيعون أن يحذوا حذو ألمانيا، وعلى الصعيد العالمي، يجب أن تتطابق المدخرات والاستثمارات، لذا، إذا كان اقتصاد ما يدخر أكثر مما يستثمر، فيتعين على الاقتصادات الأخرى أن تفعل العكس، وسيظهر ذلك بعد ذلك في تراكم المطالبات المالية على بلدان العجز، والتي هي في الغالب ديون.

ويشكل العداء الألماني للديون ما يمكن اعتباره حماقة، أو ما هو أسوأ من ذلك، ويجب موازنة فوائضها مع عجز وديون الآخرين، علاوة على ذلك، فإن الدعوات الموجهة إلى أعضاء منطقة اليورو لخفض عجزهم المالي لن تنجح إلا إذا تحول الحساب الجاري لمنطقة اليورو إلى فائض أكبر أو اضطرت القطاعات الخاصة في أعضاء منطقة اليورو الآخرين (فرنسا، على سبيل المثال) إلى العجز.

ومكمن الخطر هنا هو أن مثل هذه التعديلات سوف يُنظَر إليها باعتبارها حالة ركود "إفقار الجار" التي أحدثتها ألمانيا، لقد حدث ذلك لمنطقة اليورو بشراسة شبه مميتة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولا ينبغي لها أن تفعل ذلك مرة أخرى، وخاصة في ضوء السياسة المحمومة اليوم.

والسبب الثاني هو أن هناك حلاً محلياً بسيطاً.. يتعين على ألمانيا أن تستخدم المزيد من مدخراتها الفائضة في الداخل، والطريقة الواضحة للقيام بذلك هي رفع مستوى الاستثمار العام المنخفض للغاية من خلال السماح للحكومة الألمانية، وهي واحدة من أكثر الحكومات جدارة ائتمانية في العالم، بالاقتراض من الأشخاص الذين يثقون بها أكثر من غيرهم، أي الجمهور الألماني، من أجل الاستثمار.

ويشير فصل ممتاز عن "الاستثمار العام في ألمانيا"، في كتاب حديث عن الاستثمار العام الأوروبي، إلى أن صافي الاستثمار العام كان قريباً من الصفر منذ بداية هذا القرن، وبالتالي فإن نسبة رأس المال العام إلى الناتج المحلي الإجمالي كانت في انخفاض مستمر.

ومن غير المنطقي بالنسبة لدولة تتمتع بمثل هذه المدخرات الفائضة الهائلة في قطاعها الخاص ألا تستخدمها في الداخل، وبالتالي توليد جانب العرض والطلب الأقوى الذي ستحتاج إليه ألمانيا ومنطقة اليورو.

سوف تمر مشاكل ألمانيا قصيرة الأمد، أما تلك طويلة المدى فهي أكثر تحديا، لكن الأمر الأكثر ضرورة هو إحجامها عن تمويل الاستثمارات العامة اللازمة في الداخل.. والآن حان وقت إلغاء مبدأ "كبح الديون".

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية